ليس بوسع أحد أن يقول أننا في اليمن لم نتأثر بالمتغيرات الدولية الأخيرة أكان
منها الأزمة الغذائية التي كان من نتائجها الارتفاع الحاد في أسعار السلع
الأساسية كالقمح والسكر والزيوت والألبان، أو أزمة الانهيار المالي التي
تجتاح العالم والتي كان من إفرازاتها تراجع أسعار النفط التي تهاوت خلال
الأيام القليلة الماضية على نحو ينذر بالكثير من العواقب خاصة لبلد مثل
اليمن يعتمد على عائداته من صادرات النفط بنسبة 95%. وبالوقوف على
تداعيات هذه التطورات العالمية العاصفة سنجد أننا في اليمن شأننا شأن غيرنا
لسنا بعيدين عن الأضرار الماحقة التي تسببت فيها مثل تلك الأزمات كوننا
جزءاً من هذا العالم نؤثر ونتأثر بظروفه وأحداثه. وإذا كنا قد استطعنا في
الأيام الماضية تجاوز الكثير من أعباء تلك الأزمات بفضل التوجهات السديدة
لقيادتنا السياسية بزعامة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، الذي يعود له
الفضل الأول في ما تم إنجازه من إصلاحات مالية وإدارية واقتصادية، والتي
كان لها دورها المباشر في سد الكثير من الثغرات مما جنب بلادنا الوقوع
تحت طائلة التقلبات الدولية، فإن ما يطفو اليوم على السطح العالمي من أحداث
ومستجدات يدعونا إلى استيعاب التحديات القائمة والتعاطي معها بمسؤولية،
انطلاقاً من منظور واقعي يحقق التوازن بين الاهتمام بالعمل السياسي ومتطلبات
التنمية الاقتصادية، بحيث لا يصبح العمل السياسي عائقاً أو معطلاً للتطور
والنهوض الاقتصادي، الذي يمثل للغالبية العظمى من أبناء الشعب الأولوية
الرئيسية لارتباطه بحياتهم المعيشية وتطلعاتهم التنموية، وهو ما يستدعي من
المصفوفة السياسية، التي تمارس العمل الحزبي، وهي بكل تأكيد مجموعات
قليلة، إعادة تكييف اهتماماتها وبرامجها مع تلك القاعدة من التوازن باعتبارها
القاعدة الذهبية التي تتكفل بضمان إحداث التحول المنشود على الأصعدة السياسية
والاقتصادية والاجتماعية، حتى تبرهن تلك الأحزاب على ارتباطها بهموم
المجتمع، وأنها وجدت من أجل خدمة هذا المجتمع ورفعته وتطوره وليست عبئاً عليه.
نقول ذلك من وحي الكثير من الشواهد الدالة على أن بعض الأحزاب وقياداتها،
صارت غائصة في عقدها ومغتربة عن الواقع، وفاقدة للرؤية السياسية التي تمكنه
ا من استيعاب منهجية العمل الديمقراطي التعددي. وبحكم هذا التخبط السياسي والقصور
الفكري والتخشب الذهني، لم يعد يهمها سوى اللهث وراء مصالحها الضيقة، إلى
درجة باتت فيها هذه الأحزاب لا تضع اعتباراً للوسائل التي تتبعها في سبيل تأمين
تلك المصالح، التي لا شك وأن أغلبها يتصادم كلياً مع المصلحة العليا للوطن وأبنائه.
والحقيقة التي ينبغي أن نواجه بها هذه الأحزاب وفي هذه الظروف الدقيقة، هي
أن تصعيدها للأساليب المعتمدة على صب الزيت على النار، لا تلحق الأذى بالحزب
الحاكم أو بالحكومة بل إنها ومن خلال تلك الزوابع التي تفتعلها والصخب الإعلامي
والضجيج الذي لا مبرر له وتحريضها بعض الغوغاء والمأجورين على القيام بممارسات
فوضوية ومسيئة للوحدة الوطنية، إنما تعيق عملية البناء والتنمية وتعمل على عرقلة
الجهود الرامية لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وضمان الحياة الكريمة لهم،
بل أنها وعبر تلك التصرفات والمناورات التي لا تنم عن إدراك حقيقي للمسائل ذات
الطابع الحيوي والجوهري، تقف في الخندق المعادي للتوجهات الهادفة لجذب الاستثمارات
وتحقيق الانتعاش الاقتصادي، وتحرير المواطنين من أشكال العوز والفقر والبطالة.
وحتى نكون أكثر وضوحاً نشير إلى أن من يقترفون هذه الأفعال يمارسون الديمقراطية
بأسلوب جائر وغير عادل، بما يترتب على ذلك التعاطي الجائر من اعتساف للديمقراطية
وقيمها، التي من أولوياتها إشاعة معاني المحبة والتسامح وضمان الحياة الآمنة
والمستقرة للإنسان. فمتى يتخلص هؤلاء من التمترس حول الذات ومصالحها وكذا
من أنانيتهم وفرديتهم الضريرة، ويتحررون من تقوقعهم، في ثقافة الماضي، التي تلاشت
وماتت في كل بقاع الأرض، وما زالوا هم يحاولون أن يقتاتوا منها في زمن ينحو فيه
الجميع نحو الواقعية والتنافس على المزيد من الإبداع والابتكار والفعل الخلاّق. مجرد
تساؤل يكشف عن قسمات أزمة هؤلاء التي لا تقل سوءاً عن إصرارهم على استنفاد
جهودهم في إعادة إنتاج مواقفهم المسكونة بالرتابة والجمود. فهل هو العناد والمكابرة
والتهور؟ أم أنهم لا يعقلون ؟!!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
رد على الموضوع