من بين أهم التهم التي تطال العرب منذ عقود أنهم يعيشون في الماضي،
وهي تهمة باطلة من الأساس، لأن الواقع نفسه يثبت عكس ما يقال، فالعيش
في الماضي يعيد إلى الذاكرة نصاعة ذلك الماضي وزهو أمجاده، ويجعل
من يحيا شيئاً منه يقاوم تخلف الحاضر وبؤسه، وما يسيطر عليه من حالات
تردّ، ونزاعات لا تساعد على تصوير أمجاد الماضي، ولا تشرئب
نحو عبوره إلى المستقبل. ولا ريب في أن ماضي العرب القديم وحتى
الوسيط منه كان رائعاً وباعثاً على الاعتزاز، وأن الوقوف عنده يملأ
النفس أملاً وثقة، ويشحنها بالقدرات الفاعلة التي ستعينها على تجاوز الراهن،
وما يطرحه من إحباطات وخيبات.
وإذا أردنا الاقتراب من الحقيقة، وتصوير الحالة التي يعيش فيها العرب الآن،
فإننا سنجد أنهم لا يعيشون في الماضي ولا في الحاضر، ولا وجود عندهم
للمستقبل، وأنهم يعانون من حالة فقدان التوازن، وهو ما يجعلهم في غربة
عن ماضيهم العظيم وعن حاضر الآخرين، وهي حالة نادرة واستثنائية تقع فيها
بعض الشعوب، وتفقد معها القدرة على تقدير الأمور. ومن هذه الشعوب ما
تصحو وتعود إليه، ذاكرته ويعود معها الشعور بالخطر من التخلف، فتسعى
إلى استدراك ما فاتها، في حين تظل شعوب أخرى شاردة في تخلفها، خامدة
لا تجد الوقت للتأمل في واقعها المرير وأيامها الضائعة. وأترك الحكم للقارئ
على حالتنا نحن العرب في القرن الحادي والعشرين، وأسأل هل صارت
التحديات والحروب والمجازر التي تتم في بعض الأقطار العربية كافية لإيقاظنا،
والارتفاع بدرجة الوعي الهابط لدينا إلى المستوى المطلوب؟!
إننا لا نحترم الماضي، ولا نستطيع أن نعيش فيه لأنه صار ماضيا، ونحن في حاضر
إننا لا نحترم الماضي، ولا نستطيع أن نعيش فيه لأنه صار ماضيا، ونحن في حاضر
يتطلب إمكانات جديدة وآليات مستحدثة لنتجاوز الواقع المتخلف، ولكي نستعد
لمواجهة الأعداء الذين يتكاثرون، ويعمل كل واحد منهم بطريقته على إبقائنا
في وضع العاجز، الذي يحتاج دائماً إلى غيره. ومن ينظر إلى أسواقنا،
وإلى ما تحتوي عليه منازلنا سوف يجد أننا لا نعمل شيئاً، وأننا أكبر أمة
مستهلكة في التاريخ، وأننا قد لا نستطيع أن نعيش يوماً واحداً دون مساعدة الآخر.
ومن هنا، فنحن لا نعيش في الماضي سواء ماضي الإبداع أو ماضي الاكتفاء،
وإنما نعيش عالة على الآخر، وعلى منتجاته الزراعية والصناعية، ونحن ضحايا
الوباء الاستهلاكي هذا الذي قادنا ويقودنا إلى مثل هذه الحالة، التي افتقدنا معها
حتى تلك الحرف الصغيرة التي كان بعض مواطنينا يجيدونها بإتقان، وبمواد محلية
انقرضت أو كادت، ولم يعد أحد يفكر في إحيائها، لأنها لا تجد التشجيع الكافي، ولا
تستطيع أن تَثْبُت للمنافسة.
كثيرة هي الشعوب التي تعيش ماضيها، ولكنها في الوقت نفسه تعيش حاضرها،
كثيرة هي الشعوب التي تعيش ماضيها، ولكنها في الوقت نفسه تعيش حاضرها،
وهي شعوب متقدمة، بل في ذروة التقدم، فالشعب الياباني مثلاً يعيش ماضيه
وينظر إليه بإكبار، والهند كذلك، وليست الصين في منأى عن هذا الذي نقول،
ومع ذلك، فهي تعيش عصرها وتسهم فيه. وما لم يتداركنا الله بصحوة أخلاقية
وعلمية تعيد إلينا الشعور بالمسؤولية تجاه ماضينا أولاً، وتجاه حاضرنا ومستقبلنا
ثانياً,
فإننا سنظل كما نحن معلقين في الهواء، لا وجود لنا في الماضي ولا في الحاضر،
ومن مصلحة الآخرين أن نبقى كذلك، لأنهم يستفيدون من بقائنا على هذه الحالة،
ويمتصون ما تبقى من ثرواتنا المنهوبة، وطاقاتنا المهدورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
رد على الموضوع